لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14515 مشاهدة
إظهار النشاط والقوة في العشر الأواخر

والخصلة الثالثة هي إيقاظ الأهل؛ قولها: أيقظ أهله يدخل في الأهل الأولاد والنساء؛ فيبدأ ليله بأن يوقظ أهله لهذه الصلاة، وأن يذكرهم بفضلها، وكان السلف -رحمهم الله- يوقظون أهليهم حتى في غير رمضان، وكان عمر إذا كان آخر الليل أيقظ أهله كلهم، وأيقظ كل كبير وصغير إلى تلك الصلاة، وكان يقرأ قول الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا .
يستشهد بهذه الآية التي هي في الفريضة على النوافل؛ على صلاة النافلة، وذلك دليل على محبة الصحابة والسلف -رضي الله عنهم- لكثرة الأعمال الخيرية.
فلذلك يتأكد على الإنسان أن يوقظ أهله وإخوته وأولاده ونساءه، ومن يتصل به ومن له ولاية عليه؛ يوقظهم لأجل أن يعرفوا هذه الأيام الشريفة؛ فهي ليال مخصوصة.
إنما هي عشر ليال أو تسع ليال إذا كان الشهر ناقصا، فلا تفوتها النساء؛ يغتنمها، ويستغل أوقاتها.
وقد ورد في إيقاظ زوجه: فإن أبت نضح في وجهها الماء .
ورد عنه في حديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قام الرجل إلى الصلاة وأيقظ أهله فصليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ففيها من الفضائل الكثيرة؛ في إيقاظ الأهل في مثل هذه الليالي.
الأسباب المعينة على الاجتهاد في العشر الأواخر:
وفاتني فيما يتعلق بالنشاط والجد في الأعمال أن أذكر بعض الأسباب التي وردت عن السلف -رحمهم الله- التي تذكِّر أو التي يفعلونها؛ حتى تنشط القلوب وتنشط الأبدان؛ فأقول:
ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان في ليالي العشر يغتسل كل ليلة بعد المغرب، وقبل العشاء -أي بين العشاءين-؛ كان يغتسل كل ليلة، وقصده من هذا الاغتسال أن يأتي الصلاة بنشاط بدن، ومن النشاط البدني ينتج منه نشاط القلب، ومن احترام هذه الليالي وتعظيمها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته كانوا يتجملون لهذه الليالي.
فيلبس أحدهم أحسن ثيابه ليكون ذلك أيضا أنشط لبدنه وأنشط لقلبه؛ حتى إن كثيرا منهم عندما يتجملون في مثل هذه الليالي بثياب لا يلبسونها في غيرها، ومثل .. ما يفعلونه من نشاط وقوة في استعمالهم للطيب في البدن وفي الثوب وفي المساجد.
فكانوا يستعملون الروح؛ لأن الروح الذي هو أطيبه السائلة؛ حتى يكون الإنسان طيب الريح؛ لأن الملائكة تحب الريح الطيب، ويكون بعيدا عن الروائح الخبيثة؛ لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .
وكذلك يطيبون مساجدهم بالروح، وبالدخنة التي هي المجامر، الجمر الذي يُجعل عليه هذا الطيب الذي له دخان؛ فمثل هذه مما تكسب النشاط في البدن والنشاط في القلب، ومتى كان القلب والبدن نشيطا لما ملَّ الإنسان ولم يكسل، ومتى كان البدن ليس بنشيط ضعف القلب، وملَّ من العبادة وكسل عنها.
وكثيرا يذم الله -تعالى- أهل الكسل؛ كما ذكر الله ذلك في صفة المنافقين بقوله: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ؛ يتأكد من ذلك أن المسلم يأتي بالأعمال التي تحبب إليه العبادة، وتجعله منبسطا فيها منشرح القلب ومقبلا عليها بكليته، غير غافل ولا ساهٍ ولا متباهٍ.